من فصول الدراسية إلى ساحات النزاعات.. كيف حاصر الفقر والصراعات الحق في التعلم خلال 2024؟
من فصول الدراسية إلى ساحات النزاعات.. كيف حاصر الفقر والصراعات الحق في التعلم خلال 2024؟
يعد التعليم أحد أهم حقوق الإنسان الأساسية، كما أنه وسيلة لا غنى عنها لإعمال حقوق الإنسان الأخرى، ولذلك يرتبط التعليم وحقوق الإنسان ارتباطًا وثيقًا، وتؤكد ذلك المواثيق الدولية مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
والتعليم حق أساسي يساهم في تمكين الأفراد من ممارسة حقوقهم الأخرى، بما يضمن المساواة في الفرص ومكافحة التمييز على أساس الجنس أو العرق أو الدين أو أي أساس آخر، كما يمكن من خلال التعليم تعزيز القيم والمبادئ المتعلقة بحقوق الإنسان مثل الحرية والعدالة والمساواة والتسامح.
ويعزز التعليم من فهم الناس حقوقهم وواجباتهم في المجتمع، ما يؤدي إلى تعزيز المشاركة الفعالة في الحياة المدنية والسياسية، ويعد أيضا مؤشرا رئيسيا على تقدم الدول، لا سيما وأنه يعكس مدى احترام الدولة لحقوق الإنسان، ويساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
ويلعب التعليم أدوارا في مكافحة انتهاكات حقوق الإنسان، حيث يعزز الوعي بالانتهاكات الممكنة لحقوق الإنسان وكيفية مواجهتها، ويساهم في نشر ثقافة السلام ومنع العنف والإرهاب من خلال تعزيز قيم الحوار والتفاهم والتعايش.
وفي بعض المناطق، تحرم الفتيات أو الأقليات أو اللاجئون من حق التعليم، ما يشكل انتهاكًا لحقوق الإنسان، كما يمكن أن تؤدي المناهج غير المحايدة أو التمييزية إلى ترسيخ انتهاكات حقوق الإنسان بدلًا من مكافحتها، الأمر الذي يتطلب إدراج مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية لتعزيز قدرات الفهم والتطبيق لهذه الحقوق في الحياة.
جهود دمج الحقوق في التعليم
وتمثل الجهود الدولية لدمج حقوق الإنسان في المناهج التعليمية جزءًا أساسيًا من استراتيجية تعزيز حقوق الإنسان عالميًا، إذ تتضمن هذه الجهود مبادرات ومشاريع متعددة بقيادة منظمات دولية وحكومات ومؤسسات تعليمية.
وتستند الجهود الدولية لدمج حقوق الإنسان في المناهج التعليمية إلى تعاون منظم بين المنظمات العالمية والحكومات الوطنية والمجتمع المدني، بهدف بناء مجتمعات تحترم الحقوق والحريات من خلال تعليم الأجيال الناشئة القيم الإنسانية الأساسية.
وفي هذا الإطار، أطلقت الأمم المتحدة برامج لتعزيز إدراج حقوق الإنسان في المناهج التعليمية من خلال توفير موارد تعليمية متعلقة بحقوق الإنسان، وتدريب المعلمين على تدريس مفاهيم حقوق الإنسان، وتوعية الطلاب بأهمية احترام الكرامة الإنسانية.
ويدعو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة (26) إلى أن يكون التعليم موجّهًا نحو تنمية احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، الأمر الذي يستدعي إدماج حقوق الإنسان في جميع مستويات التعليم، وتعزيز بناء القدرات لتدريب المعلمين وموظفي التعليم.
وأطلقت منظمة "يونسكو" برامج عالمية لتعزيز تعليم حقوق الإنسان، مثل برنامج التعليم من أجل المواطنة العالمية، إلى جانب إصدار أدلة تدريبية للمعلمين تشمل استراتيجيات تدريس حقوق الإنسان، كما تُصدر تقارير دورية حول مستوى إدماج حقوق الإنسان في المناهج العالمية، وتقدم أدوات لتقييم المناهج وتطويرها لتشمل موضوعات حقوق الإنسان.
ويمول الاتحاد الأوروبي برامج تدريبية ومشاريع بحثية حول تعليم حقوق الإنسان، كما أطلقت منظمة "مجلس أوروبا" (غير حكومية، مقرها فرنسا) مشروعا بعنوان "التعليم من أجل المواطنة الديمقراطية وحقوق الإنسان"، لدعم الدول الأوروبية في تحديث مناهجها التعليمية في مختلف المراحل الدراسية.
ويمول الاتحاد الإفريقي (يضم 55 دولة) خطة لتعزيز دمج حقوق الإنسان في المناهج الدراسية لتعزيز القيم الإنسانية، ومواجهة التحديات المرتبطة بالصراعات والفقر وانتشار الأمراض، وتطوير مناهج محايدة تراعي الاختلافات الثقافية والدينية.
ازدواجية بين النصوص والواقع
قال الخبير العراقي المهتم بشؤون التعليم حسين السبعاوي، إن دمج حقوق الإنسان في المناهج الدراسية للأطفال في الدول العربية موجود منذ سنوات، وتسعى المنظمات الدولية لتعزيز ذلك ولكن تظل الأهداف بعيدة عن التحقيق في الواقع، لا سيما في الدول العربية.
وأوضح السبعاوي في تصريح لـ"جسور بوست"، أن الجهود الدولية باتت حبرا على ورق وذرا للرماد في العيون، ولا أثر لتلك المناهج بشكل فعلي على أرض الواقع، مضيفا: "المنظمات الأممية والدولية والمحلية ترفع هذه الشعارات لكن التطبيق يظل باهتا وغير مؤثر".
وأكد الخبير العراقي أولوية تدريس المبادئ الحقوقية للجهات الأمنية والقضائية والموظفين بالجهاز الإداري في دول العالم، من أجل احترام حقوق المواطنين وسيادة السلام الاجتماعي، قائلا: "لا بأس من غرس قيم حقوق الإنسان للأطفال في المدارس ولكن من الأهمية تدريب هذه الفئات المهنية عليها".
وأضاف: "في العراق منذ 2003 توجد مواد حقوق الإنسان في المدارس وبين ثنايا الكتب والمناهج للأطفال، لكنها لم تحدث تأثيرا يذكر حيث هناك ملايين المهاجرين والنازحين في المخيمات وآلاف قيد الاحتجاز والسجون، وهناك مئات الانتهاكات والتجاوزات الحقوقية ترتكب يوميا في البلاد".
وأكد أن المنظمات الدولية لديها تناقض وازدواجية، خاصة بين المنهج والتطبيق في العديد من المشروعات والمبادرات والتقييمات، كما أنها لا توجد لديها إرادة دولية للإلزام بالتطبيق، مضيفا: "لذا أي تقييم لتلك الجهود الدولية سيظل حبرا على ورق وأرقاما سنوية لأعداد المتعلمين والذين يتلقون تلك المواد لكن لا أثر لها في حياتهم".
ومضى السبعاوي، قائلا: "بنظرة سريعة ستجد الجرائم المجتمعية تتزايد، والانتهاكات الحقوقية تتوسع، وأعداد النازحين في زيادة كبيرة بالعالم العربي، حيث يدفع الجميع ثمن غياب تطبيق حقيقي لمبادئ حقوق الإنسان في معظم الدول العربية".
وتابع: "ما رأيناه في سوريا والمعتقلين الذي لهم سنوات طويلة يخرجون من تحت الأرض، هو مشهد بائس ناتج عن غياب مسارات حقوق الإنسان والديمقراطية والحريات في هذا البلد"، مؤكدا أن أي تقييم حقيقي للجهود الدولية يجب أن يكون ملزما بنتائج واقعية وحقيقية عن أثر حقوق الإنسان في المجتمع، والواقع يقول إنها كما قلنا "صارت حبرا على ورق".
وشدد على أهمية تعزيز مناهج حقوق الإنسان في المناهج والواقع حتى لا يحبط النشء بالازدواجية بين النصوص والتطبيق في مجتمعاتهم وحياتهم العامة، مؤكدا أن المنظمات الدولية إذا أرادت أن تنجح خططها يجب أن تكون هناك إرادة ملزمة تتواصل مع الحكومات لدعم هذا المسار بشكل حقيقي.
واختتم حديثه، قائلا: "الإنسان بفطرته يحب الحقوق ولا يقبل بالانتهاكات ويجب أن نعزز ذلك الأمر في المناهج التعليمية والواقع دون الفصل بينهما تثمر جهود الجميع في مجتمع مكفولة له كل الحقوق".
جهود لا تخلو من المخاوف
وقالت الباكستانية فريدة شهيد، مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالحق في التعليم، إن حقوق الإنسان ترتبط ارتباطا وثيقا بالتعليم، والذي يعد منتدى للأفكار التي تعزز الإبداع والتفكير النقدي داخل المجتمعات.
وبحسب إفادات الأمم المتحدة فإن التعليم هو حجر الزاوية الأساسي لكل مجتمع، والاستثمار الأوحد والأفضل الذي يمكن للدول تأديته لبناء مجتمعات مزدهرة، وصحية وعادلة، إلا أن الصراعات والحروب والنزاعات أجبرت أكثر من 57 مليون طفل على التسرب من التعليم في العالم.
وأشارت إلى أن التنمية الاقتصادية المستدامة والمتبادلة تعتمد بوتيرة متسارعة على قدرة الحكومات على تطبيق السياسات التي تستهدف المجموعات المهمشة وإزالة الحواجز التي تقف أمام التعلم المستمر والدخول إلى سوق العمل.
ورغم الإنجازات التي تحققت خلال العقد الأخير، حصلت النساء والفتيات على النصيب الأقل من الحصول على التعليم والتدريب، حيث أصبح هناك حاجة إلى سياسات عاجلة لمعالجة هذه التحديات، بحسب التقديرات الأممية.
وتشتمل خطة التنمية المستدامة لعام 2030 على ذلك في الهدف الرابع والذي ينص على "يضمن التعليم الشامل والعادل والجيد وترقية فرص التعلم للجميع مدى الحياة، حيث إنه يقر مختلف تطبيقات التعليم العالمي ويحاول معالجتها من خلال الأهداف وزيادة المنح الدراسية لطلاب الدول النامية وإنشاء المرافق التعليمية التي تراعي الفوارق بين الجنسين والإعاقة الكاملة".
معالجة أزمة التعليم
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إنه بدون تحول جذري في معالجة أزمة التعليم العالمية، فإنه "لا يمكننا ولن نتمكن من تشكيل عالم أكثر سلاما واستدامة وعدالة".
وأضاف غوتيريش، في كلمته خلال اجتماع خاص حول تحويل التعليم عقد في يوليو الماضي، "أن التعليم سيحدد مستقبل الناس والكوكب، ويجب على كل دولة ألا تدخر جهدا لإنشاء مجتمعات تعليمية حقيقية، ترتكز على أنظمة توفر فرص التعلم مدى الحياة والتي تمتد نطاقها من الطفولة وحتى الرشد".
وأشار الأمين العام إلى أنه من المرجح أن يظل حوالي 84 مليون طفل خارج المدرسة بحلول عام 2030، وفي الوقت نفسه، لا تقوم أنظمة التعليم بتزويد المتعلمين بالمهارات التي يحتاجون إليها، مؤكدا أن التمويل يمثل محركا رئيسيا للأزمة، حيث إن 4 من كل 10 أشخاص في جميع أنحاء العالم “يعيشون في بلدان تنفق حكوماتها على خدمة الديون أكثر مما تنفقه على التعليم أو الصحة”.